https://albushra-islamia.net./showthread.php?p=81102
الإمام ناصر محمد اليماني
24 - صفر - 1434 هـ
06 - 01 - 2013 مـ
06:26 صــــباحاً
( بحسب التقويم الرسمي لأمّ القرى )
ـــــــــــــــــــ
ردّ الإمام المهديّ إلى (أبو المهدي) الذي جاء يلهِنا عن أمرنا بلهو الحديث،
فتعال لنعلِّمك علماً تُخرج به العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة الأنبياء والمرسلين وآلهم الطيبين أجمعين وعلى من تبع نهجهم إلى يوم الدين من أوّلهم إلى خاتمهم جدّي محمد رسول الله صلّى الله عليه وآلهم وأسلّم تسليماً لا نفرّق بين أحدٍ من رسله ونحن له مسلمون، أمّا بعد..
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [لقمان].
ويا رجل، مالك تستبدل لهو الحديث لتُلهي النّاس به عن التدبّر والتفكّر في البيان الحقّ للذكر؟ فتعال لنعلمك العلم الذي تنفع به الإسلام والمسلمين وتُخرج به العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد.
ويا رجل، إنما يبعث الله الإمام المهديّ حين يضلُّ المسلمون عن دينهم الحقّ فيشركون بالله بسبب عقيدة الشفاعة للعبيد بين يديّ الربّ المعبود، فيتخذون من دون الله أولياء من عباده الأنبياء والمقرّبين فيرجون شفاعتهم بين يديّ الله ربّ العالمين، وقد كفروا بالإنذار إليهم من ربّهم في محكم القرآن العظيم في قول الله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿٥١﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].
وكفروا بقول الله تعالى: {اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿٤﴾} صدق الله العظيم [السجدة].
وكفروا بقول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿٤٨﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
وكفروا بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ۗ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴿٢٥٤﴾} صدق الله العظيم [البقرة].
وكفروا بقول الله تعالى: {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ ۚ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٣﴾} صدق الله العظيم [الممتحنة].
وكفروا بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا} صدق الله العظيم [لقمان:33].
وكفروا بقول الله تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَّا يُؤْخَذْ مِنْهَا} صدق الله العظيم [الأنعام:70].
فتبيّنَ للذين لا يؤمنون بالله إلّا وهم به مشركون عبادَه المقرّبين تبيّن لهم أنّ آباءهم أضلّوهم بعقائدهم الباطلة وأنه لا يجرؤ أن يشفع لهم نبيٌّ أو وليٌّ حميمٌ بين يديّ الله، فقالوا: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ ﴿١٠٠﴾ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ﴿١٠١﴾} صدق الله العظيم [الشعراء].
وربّما يودّ أحد السائلين أن يقول: "وهل عقيدة الشفاعة نفاها الله عن خلقه أجمعين في السّماوات والأرض؟ وهل من يعتقد بشفاعة العبيد بين يديّ الربّ المعبود هو مشركٌ بالله؟". ومن ثمّ نترك الجواب من الربّ مباشرةً من محكم الكتاب. قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّـهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّـهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} صدق الله العظيم [يونس:18].
وربّما يودّ سائلٌ آخر أن يقول: "وما موقف عباد الله المكرمين ممن كان يعتقد النّاسُ بشفاعتهم لهم بين يديّ ربّهم، فيأتون لزيارة قبورهم ويسألونهم الشفاعة بين يديّ الله يوم القيامة؟". ومن ثمّ نترك الجواب مباشرةً من الربّ من محكم الكتاب. قال الله تعالى: {إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} صدق الله العظيم [فاطر:14].
"فهل أصحاب تلك الأجساد في القبور هم أمواتٌ ولا يسمعون دعاءهم لكون أرواحهم عند ربّهم؟". ومن ثمّ نترك الجواب من الربّ من محكم الكتاب. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴿٢٠﴾ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ۖ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴿٢١﴾} صدق الله العظيم [النحل].
"وهل عباد الله المكرمين من الأنبياء والأولياء جميعُهم لا يجرؤون على الشفاعة للعبيد بين يديّ الربّ المعبود كوننا نجد في محكم الكتاب بأنّ إبراهيم جادل في عذاب قوم لوط فطلب مهلةً بعد أن دعا عليهم نبيّ الله لوط عليه الصلاة والسلام، وأراد نبيّ الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أن يدعوهم إلى الهدى علّهم يهتدون فجادل فيهم أن يُؤخّر عذابهم حتى يدعوهم إلى الهدى مرةً أخرى. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴿٧٥﴾ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴿٧٦﴾} صدق الله العظيم [هود].
وكذلك نبيّ الله نوح عليه الصلاة والسلام دعا ربَّه وأراد الشفاعة لابنه من عذاب الله، فما هو ردّ الله على نوح بالضّبط على سؤاله الشفاعة من عذاب الله لولده؟ والجواب نتركه من الربّ في محكم الكتاب: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴿٤٦﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴿٤٧﴾} صدق الله العظيم [هود].
وكذلك النّبي محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم." ومن المؤمنين يجادلون في شأن قومٍ لا يهتدون وبربّهم مشركون. والجواب قال الله تعالى: {هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّـهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ﴿١٠٩﴾} صدق الله العظيم [النساء].
"إذاً يا ناصر محمد علّمنا حقيقة الشفاعة بالحقّ." والجواب كذلك نتركه من الربّ مباشرةً من محكم الكتاب. قال الله تعالى: {قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
"ولكن يا ناصر محمد اليماني ما الذي يقصده الله بنفي الشفاعة للعبيد بين يديّ الربّ المعبود ومن ثمّ يتفرّد الله بالشفاعة له وحده لا شريك له، فعند من يشفع وهو الله أكبر من كل شيء وما بعده شيء وما بعد الحقّ إلّا الضلال!". ومن ثمّ نكتفي بالجواب من الربّ في محكم الكتاب. قال الله تعالى: {{وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}} صدق الله العظيم [يوسف:64]، فمن يعتقد أنّ الله هو أرحم به من أمّه وأبيه ومن كافة أنبيائه ورسله فقد شهد بالحقّ أنّ الله ربّه {{وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}}، أرحم به من أمّه وأبيه ومن ولده ومن النّاس أجمعين، فلا يرجو شفاعةً من هم دونه في الرحمة ويذر شفاعة أرحم الراحمين.
ولربّما يودّ أحد السائلين أن يقول: "وما تقصد يا ناصر محمد بقولك ويذر شفاعة أرحم الراحمين، فهل يشفع الله لعبيده عند أحدٍ سواه؟". ومن ثمّ نترك الجواب من الربّ في محكم الكتاب. قال الله تعالى: {قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
ويقصد الله إنّ الذين يرجون من ربّهم أن يرحمهم فلا يعذّبهم ووعده الحقّ وهو أرحم الراحمين فسوف يجدون رحمة الله في نفسه تعالى تشفع لهم من غضب نفسه وعذابه؛ ولكن أكثر النّاس لا يؤمنون بالله إلّا وهم به مشركون بسبب فهمهم الخاطئ لعقيدة الشفاعة.
وربّما يودّ واحدٌ آخر من الذين في قلوبهم زيغٌ عن الحقّ من الذين يذرون الآيات المحكمات البيّنات في نفي الشفاعة فيذروهنّ وراء ظهورهم فيتّبعون ظاهر الآيات المتشابهات في ذكر سبب تحقيق الشفاعة في نفس الله فيقول: "مهلاً مهلاً يا ناصر محمد اليماني؛ ألم يقل الله تعالى:
{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255].
{يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿١٠٩﴾} [طه].
{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿٨٦﴾} [الزخرف].
{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴿٢٦﴾} [النجم].
صدق الله العظيم".
ومن ثمّ نترك الجواب من الربّ في محكم الكتاب في قول الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴿٣١﴾ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴿٣٢﴾ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴿٣٣﴾ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴿٣٤﴾ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴿٣٥﴾ جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴿٣٦﴾ رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [النبأ].
غير إنّه قد استثنى وفداً من المتّقين لخطاب الربّ كونه سوف يقول صواباً ولن يتجرأوا لطلب الشفاعة للعبيد بين يديّ الربّ المعبود، ولذلك استثنى من المتّقين الذين سوف يقولون صواباً ولن يتجرأوا لطلب الشفاعة للعبيد بين يديّ الربّ المعبود فقد علموا بأنّ الله هو أرحم الراحمين، أرحم بعباده من عبيده أجمعين، فكيف يتجرأون لطلب الشفاعة لعبيد الله رحمة بهم وهم قد علموا أنّ الله هو الأرحم بعباده منهم ووعده الحقّ وهو أرحم الراحمين؟ ولذلك قال الله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴿٣٨﴾} صدق الله العظيم [النبأ].
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا نرى فريقاً من المتّقين لا يملكون من الرحمن خطاباً؟ تصديقاً لقول الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴿٣١﴾ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴿٣٢﴾ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴿٣٣﴾ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴿٣٤﴾ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴿٣٥﴾ جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴿٣٦﴾ رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴿٣٧﴾} صدق الله العظيم [النبأ].
والجواب: أولئك اتّخذوا رضوان الله النّعيم الأعظم وسيلةً لتحقيق النّعيم الأصغر جنّات النّعيم وقد رضوا بنعيم جنّته وفرحوا بها، وإنّما يأذن الله لمن يشاء من المتّقين للوفد المكرمين الذين رفضوا أن يُساقوا إلى جنّة النّعيم كونهم يريدون النّعيم الأعظم من جنّات النّعيم، ومن ثمّ تمّ حشرهم إلى الرحمن وفداً، فيطالبون ربّهم أن يحقق لهم النّعيم الأعظم من جنّته فيرضى كونهم اتّخذوا عند الرحمن عهداً وهم في الحياة الدنيا أن لا يرضوا حتى يرضى. وقال الله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـٰنِ وَفْدًا ﴿٨٥﴾ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْدًا ﴿٨٦﴾ لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـٰنِ عَهْدًا ﴿٨٧﴾} صدق الله العظيم [مريم].
ويملكون السرّ لتحقيق الشفاعة من الله إليه فاتّخذوا عند الرحمن عهداً أن لا يرضوا حتى يرضى لكونهم يعلمون أنّ الله هو أرحم بعباده منهم ووعده الحقّ وهو أرحم الراحمين، ومن ثمّ تشفع رحمة الله لعباده من غضبه وعذابه. تصديقاً لقول الله تعالى: {قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم[الزمر].
وهنا المفاجأة الكُبرى كونه تحقّق رضوان الله في نفسه فتشفع لعباده رحمتُه في نفسه من غضب نفسه وعذابه بعد أن ذاقوا وبال أمرهم، وهنا المفاجأة الكُبرى للمعذّبين إذ قالوا لقوم يحبّهم الله ويحبّونه: ماذا قال ربّكم؟ فردّوا عليهم وقالوا: قال الحقّ وهو العليّ الكبير. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ].
إذاً سرّ تحقيق الشفاعة من الله إليه فتشفع لعباده رحمتُه في نفسه من عذابه فيرضى ليحقِّق لقومٍ يحبّهم ويحبّونه نعيم رضوان نفسه على عباده، فإذا رضي الله في نفسه تحقّقت الشفاعة فتشفع لهم رحمته في نفسه من غضب نفسه وعذابه فيرضى. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النجم].
فانظروا كيف أنّ أصحاب تحقيق الشفاعة في نفس الربّ لم يشفعوا لأحدٍ بل يطالبون من ربّهم تحقيق النّعيم الأعظم وأن يرضى في نفسه تعالى، فإذا تحقّق رضوان نفس الله تحقّقت الشفاعة في نفسه فتشفع لعباده رحمتُه من عذابه. ولذلك قال الله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النجم].
أولئك قوم يحبّهم الله ويحبّونه الذي وعد بهم في محكم كتابه القرآن العظيم، وأمّا سبب عدم رضوانهم بجنّات النّعيم حتى يرضى ربّهم وذلك بسبب أنهم أحبّوا الله أعظم من جنّات النّعيم والحور العين وأعظم من ملكوته أجمعين، ولذلك قالوا: "وكيف نكون سعداء في جنّات النّعيم وحبيبنا أرحم الراحمين متحسّر وحزين على عباده الضالين! ونعوذ بالله أن نرضى حتى ترضى نفسه تعالى".
فيتمّ عليهم عرض درجات جنّات النّعيم درجةً درجةً إلى طيرمانة جنّة النّعيم أعلى درجة في جنّات النّعيم وأقرب درجة إلى ذي العرش العظيم، ومن ثمّ يرفضها جَمْعُ الوفد المكرمين فقالوا: "هيهات هيهات أن نرضى حتى ترضى! ألا وإنّ نعيم رضوان نفسك هو النعيم الأعظم مهما عرضت علينا من النّعيم لنرضى، تصديقاً لوعدك الحق: {رَّضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100]، فما دمت رضيت علينا ربّنا فلن نرضى في أنفسنا حتى ترضى لا متحسّراً ولا حزيناً، فإننا نحبّك يا الله أعظم من حبّنا لملكوتك أجمعين في جنّات النّعيم فكيف يكون الحبيب سعيد وهو يعلم أنّ حبيبه متحسرٌ وآسفٌ حزين".
وربّما يودّ أن يقاطع المهديّ المنتظَر قومٌ آخرون من الذين لا يؤمنون بالله إلّا وهم مشركون به أنبياءَه ورسلَه فيقولون: "فهل جعلت لقومٍ يحبّهم الله ويحبّونه الذي وعد الله بهم في محكم كتابه فهل جعلتهم ذا مقامٍ عند مليك مقتدرٍ يغبطهم الأنبياء والشهداء؟". ومن ثمّ يعرض الإمام المهديّ عن إجابة هذا السؤال المحرج ونترك الردّ على النّاس مباشرةً من جدّي محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:
[يَا أَيُّهَا النّاس، اسمعُوا وَاعْقِلُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُربهم مِنَ اللَّهِ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَعْرَابِ مِنْ قَاصِيَةِ النّاس وَأَلْوَى بِيَدِهِ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنَ النّاس لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ عَلَى مَجَالِسِهِمْ وَقُربهم مِنَ اللَّهِ انْعَتْهُمْ لَنَا، صِفْهُمْ لَنَا، فَسُرَّ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسُؤَالِ الأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هُمْ نَاسٌ مِنْ أَفْنَاءِ النّاس وَنَوَازِعِ الْقَبَائِلِ لَمْ تَصِلْ بَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ مُتَقَارِبَةٌ تَحَابُّوا فِي اللَّهِ وَتَصَافَوْا فِيهِ يَضَعُ اللَّهُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فَيُجْلِسُهُمْ عَلَيْهَا فَيَجْعَلُ وُجُوهَهُمْ وَثِيَابَهُمْ نُورًا يَفْزَعُ النّاس يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يَفْزَعُونَ]
صدق عليه الصلاة والسلام.
فلا تبالغوا فيهم يا معشر المسلمين من بعد الظهور، وتالله إنّ لهم ذنوباً كثيرة وللمهديّ المنتظَر ناصر محمد اليماني ولكن التّوّابين المتطهّرين أحباب ربّ العالمين. تصديقاً لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} صدق الله العظيم [البقرة:222].
وأمّا السرّ الذي رفع مقامهم عند مليكٍ مقتدر وإمامهم المهديّ المنتظَر؛ فالسرّ وكل السرّ وظاهر السرّ وباطن السرّ هو أنهم اتّخذوا رضوان الله غاية فاتّخذوا عند ربّهم عهداً أن لا يرضوا حتى يرضى، وحتى ولو لن يتحقق ذلك حتى يفتدوا بأنفسهم عبادَ الله الضالّين وهم لا يعرفونهم، ورغم ذلك فهم على استعداد ليفتدوهم ولو يقول لهم حبيبهم الله أرحم الراحمين: فما دمتم مصرّين أن لا ترضوا حتى يكون الله راضياً في نفسه لا متحسّراً ولا حزيناً فانطلقوا إلى أشدّ أبواب جهنّم السبعة أشدّها حراً الباب الرابع فتلبَّثوا إلى ما يشاء الله فداءً لعبادي الذين ضلّوا عن الصراط المستقيم، ومن ثمّ أُخرجكم منها، ومن ثمّ يرضى الله في نفسه على عباده الضالين فأُدخلكم وإيّاهم في رحمتي أجمعين ويرضى ربّكم في نفسه!
فما تظنّون جواب قوم يحبّهم الله ويحبّونه؟ وأقسم بالله العظيم أن من كان منهم فإنّه يرى الجواب حاضراً في قلبه فيقول:"أقسم بالله العظيم لن أردّ على ربّي بالكلام إلّا بالإنطلاق إلى أشدّ أبواب جهنّم حرّاً ولن أتردّد لحظةً، وأن أحاول أن أسبق إخواني قوماً يحبّهم الله ويحبّونه، فألقي بنفسي قبلهم في أشدّ أبواب جهنّم لو كان في ذلك الشرط تحقيق رضوان الله في نفسه فيرضى". وهذه هي حقيقة قوم يحبّهم الله ويحبّونه لكي تعلموا عظيم إصرارهم على تحقيق رضوان الله نفس حبيبهم الله أرحم الراحمين، فهم يعلمون بما في أنفسهم وربّهم بهم عليمٌ وإنّما علمنا بحقيقة وصفهم في محكم الكتاب.
وأقسم بالله العلي العظيم بأنه ليجد كلٌ منهم في قلبه وكأن الإمام المهديّ كأنه ينطق بلسانه لكون كل من كان من قومٍ يحبّهم الله ويحبّونه يجد أنّه حقاً على كامل الاستعداد لو أنّ الله يقول لهم: ما دمتم لن ترضوا حتى يكون ربّكم راضياً في نفسه فانطلقوا إلى أشدّ أبواب جهنّم حرّاً. وحتى لو يبتليهم ربّهم بذلك لأمر النّار أن تكون برداً وسلاماً على قوم يحبّهم الله ويحبّونه، وإنما علّمناكم بذلك لكي يعلم النّاس عظيم إصرار قوم يحبّهم الله ويحبّونه على تحقيق غايتهم في نفس ربّهم فلن يرضوا حتى يرضى مهما كانت التضحيات فربّهم أغلى إلى أنفسهم من كل شيء وأحب من كل شيء وأقرب من كل شيء، فلن يبدّلوا تبديلاً أبداً.
وربما يودّ أحد أحبتي الأنصار أن يقول: "يا إمامي المهديّ أستحلفك بالله العظيم فهل علمت أني (فلان) منهم". ومن ثمّ يردّ عليه وعلى السائلين الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: فلينظر كلٌ منكم إلى قلبه فهل يرضى بملكوت جنّات النّعيم وربّه ليس راضياً في نفسه ومتحسّرٌ وحزينٌ؟ فإن كان الجواب: هيهات هيهات أن أرضى حتى يكون ربّي حبيبي راضياً في نفسه لا متحسّراً ولا حزيناً، وماذا نبغي من جنّات النّعيم والحور العين وربّي آسفٌ متحسّرٌ حزينٌ على النادمين على ما فرّطوا في جنب ربّهم؟ ومن ثمّ يجد كل واحدٍ في نفسه أنه يقول: أستعيذُ بالله أن يرضى قلبي بجنّات النّعيم والحور العين حتى يرضى ربّي حبيبي لا متحسّراً ولا حزيناً. أولئك اتّخذوا رضوان الله غايةً وليس وسيلة ليدخلهم جنّته، فكيف يتّخذون رضوان النّعيم الأعظم وسيلة لينالوا النّعيم الأصغر!
وربّما يودّ (أبو المهدي) المستهزئ أن يقول: "يا ناصر محمد، وهل تزعم أنّ رضوان الله على عباده هو النّعيم الأكبر من نعيم جنّته؟ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". ومن ثمّ نترك الردّ من الربّ مباشرةً من محكم الكتاب، قال الله تعالى:
{{{وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٧٢﴾}}} صدق الله العظيم [التوبة].
وربّما يودّ (أبو المهدي) المستهزئ وكثيرٌ من السائلين أن يقولوا: "يا ناصر محمد، وهل الله متحسّرٌ وحزين على عباده الضالّين المتحسّرين على ما فرّطوا في جنب ربّهم؟". ومن ثمّ نقول لهم تدبّروا البيان الحقّ للإمام المهديّ بالبرهان المُبين على إثبات فرح الله بتوبة عباده، وفي إثبات حزن الله على عباده، وفي إثبات أسف الله على عباده، وفي إثبات تحسّر الله على عباده، وقد كان ردّاً من الإمام المهديّ على فضيلة الشيخ العتيبي المحترم وهو كما يلي:
ردّ الإمام المهديّ إلى فضيلة الشيخ العتيبي ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة الأنبياء والمرسلين وآلهم الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد..
أيا عتيبي سوف نكتفي بالجواب من الربّ عليك في محكم الكتاب، فإنّه بسبب صفة عظمة الرحمة يتحسّر على عباده حين تأتي في أنفسهم الحسرة على ما فرّطوا في جنب ربّهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿٥٥﴾ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿٥٦﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
ولكن الحسرة جاءت في أنفسهم من بعد فوات الأوان أيّ بعد أن أهلكهم الله بعذابٍ من عنده، ولكنه حين علم بحسرتهم على ما فرّطوا في جنب ربّهم فمن ثمّ تحسّر الله في نفسه عليهم برغم أنّهم كذّبوا رسله وكانوا كافرين من قبل، حتى إذا أخذتهم الصيحة فأصبحوا نادمين على ما فرّطوا في جنب الله ومن ثمّ جاءت الحسرة في نفس الله عليهم من بعد الصيحة. تصديقاً لقول الله تعالى:
{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
كون الله يتأسف على عباده الظالمين لأنفسهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} صدق الله العظيم [الزخرف:55].
وما هو الأسف؟ والجواب إنّه يقصد به الحزن. ألم يقل الله تعالى: {{وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾}} صدق الله العظيم [يوسف].
ونستنبط من ذلك الفتوى عن المقصود بالأسف وأنه الحزن فإذاً الله يحزن على عباده إن لم يهتدوا فيدعي عليهم رسل الله وأتباعهم فيستجيب الله دعاء رسوله ومن اتّبعه فيحكم بينهم بعذاب من عنده فيهلك الله المعرضين، حتى إذا علم الله بعظيم الحسرة قد حلّت في أنفسهم على ما فرّطوا في جنب ربّهم فمن ثمّ يتحسّر الله عليهم وهو أرحم الراحمين، ولكنهم يائسون من رحمة ربّهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
وتجد الله يتكلم عن نفسه: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم، أليست هذه آية مُحكمة تُفتي بأنّ الله حقاً أرحمَ الراحمين، وإنّه ليحزن على عباده الظالمين لأنفسهم ويفرح بتوبة عباده كما أفتاكم الله عن طريق رسوله في بيان السُنّة النّبويّة بالحديث الحقّ بأنّ الله ليفرح بتوبة عباده فرحاً عظيماً. تصديقاً لحديث محمدٍ رسول الله الحقّ - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قال:
[لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح-].
ويفتيكم محمدٌ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن عظيم فرحة نفس الله بتوبة عباده إليه وأنّ فرحة الله أعظم من فرحة صاحب الراحلة التي أفلتت منه، فاضطجع تحت ظلّ شجرة لينام حتى يموت أو ينظر الله في أمره ومن ثمّ أفاق فإذا هي قائمة عنده فقال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربّك! أخطأ من شدّة الفرح لكونه كان يريد أن يقول اللهم أنت ربّي وأنا عبدك.
وعلى كل حال أفتاكم محمد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن مدى فرحة الله بتوبة عباده إليه إذ أنّ فرحه أعظم من فرح صاحب الراحلة الذي أخطأ من شدّة الفرح، وكذلك أفتاكم الإمام المهديّ عن مدى حزن الله وتحسّره وأسفه على المعرضين عن دعوة رسل ربّهم. وأشهد الله أنّ الحسرة لم تحلّ في نفس الله عليهم إلّا حين حلّت الحسرة في أنفسهم على ما فرّطوا في جنب ربّهم، وسبقت فتوانا بالحقّ أنّ الحسرة في أنفسهم لم تأتِ إلّا بعد عذاب الصيحة. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ﴿٥٥﴾ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّـهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴿٥٦﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
ومن ثمّ تأتي مباشرةً الحسرة في نفس الله عليهم بعد أن علم أنهم نادمون متحسّرون على ما فرّطوا في جنب ربّهم ومن ثمّ تحسّر الله عليهم. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
وهذه حجّتنا عليك يا عتيبي، فلا تكن من أصحاب أحمد الحسن اليماني بل كن من الشاكرين، فإنّهُ يدعو وحزبُه الناسَ ليكونوا مشركين مبالغين في الرسل وآل بيوتهم حتى يدعوهم النّاس من دون الله، وهذا ردّنا عليك بالسلطان الملجم يا فضيلة الشيخ العتيبي أم إنك تنكر أنّ الله أرحم الراحمين؟ بمعنى أنّه أرحم بعباده من أمهاتهم؛ ولكن عباده الظالمين لأنفسهم يائسون مبلسون من أن يرحمهم الله لكونهم لم يعرفوا ربّهم حقّ معرفته ولم يقدّروه حقّ قدره ولذلك فهم من رحمته يائسون. إنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين..
ألدّ أعداء الشياطين من الجنّ والإنس ومن كل جنسٍ؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
__________________